الفصل التاسع: العائلة
- بالكامل (2.67 Mo)
- جزء 1 (848 Ko)
- جزء 2 (706 Ko)
- جزء 3 (1.38 Mo)
سنبدأ بإعاد قراءة الأسطر الأولى من سفر التّكوين الّتي توضح كلّ الوجود الزّوجي والعائلي. ثمّ، بما أنّ فرنسيس لم يكتب شيئاً محدّداً عن نيّة العائلة، سنكتشف في بعضٍ من كتاباته بضعة أسطر متطابقة تماماً لحياة العائلة. وأخيراً، سننهي فصلنا بتأمّل البند١٧ من قانوننا، الّذي يبدأ بكلمات هي كمرادف للمحبّة : في عائلاتهم، سيعيشون...
- 0
في البدء
ذكراً وأثنى خلقهم
نُلاحظُ في سفر التّكوين، أنّ خليقة الإنسان هي ذكوريّة وأنثويّة في آنٍ معاً. لا تجد نهايتها إلاّ في خليقة المرأة. هذا ما تذكره لنا سيرتي الخليقة المتتابعتين : السّيرة الكهنوتيّة(تك١ ٢٦ـ٢٧) والسّيرة الإلهيّة(تك٢ ١٨ـ٢٧). كما قد ذكرنا سابقاً في الفصل الأوّل من هذا الكتاب، ينتجُ من هاتين السّيرتين للخليقة أنّ الرّجل والمرأة، مجموعين معاً، هما صورة الله الكاملة. وليس كلّ واحد على حدى إلاّ صورة جزئيّة عن الله. هكذا، إنّ الواحد والآخر هما أساسيّاً عادلين في الكرامة ومكمّلين. هذه هي النّهاية المقترحة لنا من خلال هانين سيرتيّ الخليقة، الّلتان تعبّران بلغة مختلفة جدّاً، لكن ضمنيّاً متساويتين. بالفعل، بينما تُظهر لنا السّيرة الأولى أنّ الرّجل والمرأة المخلوقين معاً ليكونا معاً صورة الله، ففي السّيرة الثّانية، الرّجل، المخلوق بواسطة عملٍ مميّز جدّاً من الله، هو من خلال هذا السّبب المتفوّق على جميع كائنات الخليقة الأخرى و لايجد إلاّ في المرأة كائناً يُشبهه * P. André FEUILLET,P.S. Sulp.,JESUS ET SA MERE d’après les récits Lucaniens de l’enfance et d’après Saint JEAN- Le role de la Vierge Marie dans l’histoire du salut et la place de la femme dans l’Eglise, J. Gabalda et Cie.Editeurs, 1974, p. 202.. وهكذا يتّضح لنا لًُغة الأنبياء الّتي تثقارن محبّة الله بالمحبّة الأبويّة أحياناً، وأحياناً أخرى بالمحبّة الأمويّة. يجد المصدر الأوّل للمحبّة للواحد أو للآخر في الله و لا يوجد إلاّ منه.
مع هذا، من خلال إرادة الخالق نفسه، إنّ المرأة، المختلفة جدّاً من الرّجل، هي، في شكلٍ أكيد نهايته. لهذا السّبب، وفقط من جرّاء خليقة المرأة، قال الرّجل نعم وديّ للخليقة المتمّمة من الله. هذه هي الحقيقة الثّانية المُعلّمة من قبل سيرة الخليقة الإلهيّة. لقد أعلن الله بنفسه لا يُحسن أن يكون الإنسان وحده( تك٢ ١٨).
إذا كان الصّمت والوحدة كسرّين يصفان الله( آتي بها إلى البرّية وأخاطب قلبها ـ هو٢ ١٦)، فبالمقابل إنّ الوحدة الأنانيّة لا تُساوي شيئاً للإنسان. عندما يُعلن الله أصنع له عوناً بإزآئه(تك٢ ١٨)، ليس المقصود هنا فقط تكوين أوّل ثنائيّ بشريّ في هدف تكاثر الجنس البشري. من خلال هذا التّكاثر، لا يُذكر كلمة واحدة في هذا المشهد الرّائع من سفر التّكوين٢ ١٨ـ٢٤، الّذي يبدأ بهذه الكلمات : لا يحسن أن يكون الإنسان وحده... وينتهي بهذه الكلمات : فيصيران جسداً واحداً. ليست المساعدة الماديّة الّتي يُمكن للمرأة أن تجلبها للرّجل أكثر مّما هو مهدوفاً أوّلاً لأنّ، في هذا الصّدد، تُشكّل الحيوانات هي أيضاً مساعدة
للإنسان. يعني النّصّ العبري، المُترجم حرفيّاً: مساعدة للإنسان تكون مثاله تجاهه، شريكه الكامل( باختصار : "كأنّه أمامه"). في سفر التّكوين٢ ١٨ـ٢٥، تُشدّد النّبرة على المساعدة الرّوحيّة المتعذّر استبدالها الّتي تؤمّنها المرأة للإنسان : إنّ الإنسان بحاجة لكائنٍ من نفس طبيعته يجعله يخرج من وحدته الرّوحيّة بفضل إتّصال الأفكار وتدفّق الأحاسيس المتبادلة.
عظم من عظامي ولحم من لحمي
على جميع الأصعدة (وليس فقط على الصّعيد البيولوجي الّذي ليس إلاّ وجهاً لحقيقةٍ بلا مثيل أكثر غنىً)، ينادي الإنسان لمساعدة تشبهه. إنّ الإنسان،" حامل كلمة الله (أيّ الكلمة، كلام الله كالمُبيّن)، الّذي هو بحاجة لكي يقول، لتسمية أو لوصف شيئاً ما"، بينما" المرأة الّتي تعرف بسكون"، هي مكلّفة من قبل الله نفسه لتسمية جميع كائنات الخليقة : وجبل الرّب الإله من الأرض جميع حيوانات البريّة وجميع طير السّماء وأتى بها لآدم ليرى ماذا يُسمّيها فكلّ ما سمّاه به آدم من نفسٍ حيّةٍ فهو اسمه. إنّه عمل خليقة من الدّرجة الثّانية الّذي يُعمل به من خلال هذه التّسمية، عمل من خلاله يتملّك الإنسان المخلوقات عقليّاً كأشياء. لكنّ الإنسان لا يجد بين جميع هذه الكائنات مساعدة تُلائمه. مهما كان هذا الكون الجديد غنيّاً ومفيداً، هذا الكون الّذي أيقظ عند الإنسان حنين كائنٍ من نفس طبيعته، فهو لا يتضمّن بعد المساعدة الملائمة. يبحث الإنسان عن هذه المساعدة إلى حين يُحي الله فيه كائناً يكون مثل نصفه وبدونه، على جميع الأصعدة، سيبقى حقّاً غير كاملاً. عندها فقط عرف الإنسان فرحاً دون مزج : ها هذه المرّة عظم من عظامي ولحم من لحمي (تك٢ ٢٣). لا يتضمّن بعد المساعدة الملائمة. مّاه به آدم من نفسٍ حيّةٍ فهو
من خلال بساطة مظهره، إنّ النّصّ الإنجيليّ مليء بالمعاني. يبحث آدم عن مساعدة تكون في نفس الوقت مثله ومختلفة. يكتشف بدهشةٍ أنّ الشّخص الّذي هو أمامه، ليس في الحقيقة شخصاً آخراً مثله ؛ إنّه وجه آخر من كيانه، لكنه لا يختبره إلاّ تحت شكل" الأنتَ". من خلال محبّتها، تولدُ المرأة نوعاً ما ،الإنسان، في آنٍ واحد، لنفسه ولغيره. لهذا السّبب، يُعطي الإنسان لنفسه أسماً، عند تسميته المرأة : هذه
تُسمّى امرأةً لأنّها من امرئٍ اُخذت(يُكنّي العبري عل كلمات إشا" إمرأة" وإش" الرّجل").
المرأة هي مجد الرّجل
يقترح لنا القدّيس بولس هو أيضاً الحقيقة المفصّلة في نصّ سفر التّكوين. حسب رأيه، بينما الرّجل هو صورة الله ومجده، فإنّ المرأة هي مجد الرّجل (١كو ١١ ٧). لنعي جيّداً ما هو المقصود ؛ ليست هنا (على الإطلاق) طريقة لتخفيض المرأة. يدوّن القدّيس توماس الأكّيني في تعليقه على هذا المقطع، أنّ بولس يتجنّب إعادة كلمة "صورة" بخصوص المرأة( صورة الرّجل يكون قد كتبها)، لأنّها هي أيضاً، صورة مباشرة من الله. لكنّها في الوقت نفسه مجد الرّجل. مع هذا، إنّ كلمة مجد مستخدمة مرّات عدّة في العهد الجديد، في معنى المصدر أو وسيلة للتّمجيد. الرّجل هو مجد الله في معنى أنّه يُمجّده مظهراً رموزه. المرأة هي مجد الرّجل في معنى أنّها تمجّده تشرّفه، لأنّها ليست فقط عادله، بل أيضاً تتمّته، وأنّها تمنحه، من خلال هذه التّتمة نفسها، ثروة حقيقيّة لا يُمكن استبدالها، كما تُظهره سيرة الخليقة الثّانية : في هذه السّيرة، هي هذه المساعدة الّذي هو بحاجة إليها الإنسان الأوّل بالتّحديد ويفتخر بها. إذا كانت المرأة بالنّسبة للرّجل ثروة كهذه، عظم من عظامي ولحم من لحمي، فلا يجب عليها، مع هذا ،التّركيز على نفسها وعلى جمالها نظرة الرّجل ورغبته، ونفس الشّيء بالنّسبة للرّجل، الّذي لا يجب أن يُحدّد رغبته على المرأة.
إذا تعلّق آدم، الخارج من يديّ الخالق، بحواء، هذا لأنّه اكتشف فيها نهاية ً لصورة الله هذه الّذي هو نفسه، أيّ نهائيّاً، ظاهرةً للمحبّة الّتي كنّها الخالق له. بنقله صورته الخاصّة لآدم الّتي هي صورة الله، وجّهت حواء آدم نحو لله. إنّه دورها بتوجيه آدم ، ليس فقط نحو ذاتها، بل أيضاً نحو الله. بل أكثر أيضاً، لا يُمكن للرّجل وللمرأة، المجتمعين معاً، التّتمّة، دون التّخلّي والتّوجّه نحو الله، لأنّهما مخلوقين على صورة الله، فواجبهما الكون دائماً أكثر ممّا هما عليه : "على صورة الله".
انموا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها
تسمح الصّفحات الأولى من سفر التّكوين قبلاً بالظّن بعمقٍّ كيف أنّ الرّجل والمرأة ،المتعادلين في الكرامة، هما مختلفين ومكمّلين الواحد لآخر، ليس فقط فيزيولوجيّاً، بل أيضاً نفسيّاً.
لا يوجد حكماً في تمييز المهمّات المسندة من قبل الخالق للرّجل وللمرأة؛ إنّ الإختلاف مدوّن في كيانهما الذّاتيّن.
إنّ الإنسان، المُتحدّر من طين الأرض، هو، أكثر من المرأة، متّجه نحو العالم الخارجي الّذي قد خُلِقَ منه ؛ عليه استعمال قوّته لإخضاعه وزرعه ؛ طبعاً، تُكلّف السّيرة الكهنوتيّة الرّجل والمرأة معاً نوعاً من الملكيّة على الكون : انموا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها( تك١ ٢٨). ولكن تقترح السّيرة الإلهيّة، أنّ المبادرة في هذا المجال تعود إلى الرّجل. هو مكلّف لإخضاع الكون الماديّ لنفسه، دوراً لن يستطيع تأديته بسهولة إلاّ إذا بقيَ هو نفسه خاضعاً لله ؛ وأيضاً، بعد الخطيئة، ثار الكون ضدّ الإنسان الّذي حاول استعباده ، لأنّه هو نفسه قد ثار على الله( تك٣ ١٧ـ١٩) : إذ سمعتَ صوت امرأتكَ فأكلتَ من الشّجرة الّتي نهيتُكَ فملعونة الأرض بسببك بمشقّة تأكل منها طول أيّم حياتكَ...
امّا بالنّسبة للمرأة، فلديها، وبمراعاة عدّة، مهمّة خاصّة، أكثر نبلاً ممّا قد أوكل إليها. هي مولودة، ليس من طين الأرض مثل الرّجل، ولكن من ضلع من أضلاع الإنسان الأوّل، إذاً من قلب البشريّ ذاته ؛ لهذا فهي موجّهة أوّلاً نحو البشريّ لكي تُعلّم الإنسان و تجعله يتقدّم بتوجيهه نحو الله ! ألم تجعل الرّجل الأوّل يتقدّم في علمه لدعوته ؟ لم يفهم جيّداً إلاّعند رؤيته لها على ما هو عليه وما هو في نظر الخالق. ولقد عوقبت المرأة بعد الخطيئة في أعمالها الأساسيّة( كأمّ وزوجة) : لأكثرَنّ مشقّات حملكِ بالألم تلدين البنين وإلى بعلكِ تنقاد أشواقكِ وهو يسود عليكِ.
المقصود هنا عن سقوطات الحالة البدائيّة( الّتي، كما قد رأينا، هي محدّدة للعمل الأساسي للواحد أو للآخر. إذاً، فهي ليست للبحث على ما هي أو ليست مخصّصة لتبين تصرّفات يُمكن أن نصفها عندها بالمنحرفة( ليس على الرّجل إخضاع امرأته. سيكتُب القدّيس بولس : لتخضع النّساء لرجالهنّ(أف٥ ٢٢).
لا يكتب : أيّها الرّجال أخضعوا نساءكم). على هذه السّقوطات نزيد الموت (تك٣ ١٩) وخسارة الألفة الإلهيّة (تك٣ ٢٣). هي عقوبات وراثيّة. سيأتي المسيح لكي يُخلّص البشريّة. سيُصالح الإنسان مع خالقه ؛ وأخيراً من خلال قيامته، سينتصر على الموت.
سيصيران جسداً واحداً
ألا يجب أن يُسمع هذا التّأكيد من سفر التّكوين إلاّ من النّاحية الجسديّة فقط، حتّى ولو يتضمّن جيّداً هذه الأخيرة ؟ إذا كان هذا الواقع، ألن ندخُلَ في نوعٍ من العبوديّة للجنس، الّتي تُدين المرأة والرّجل
ايضاً ؟ للإجابة على هذه الأسئلة، سنستعين (بقسم) بكتاب فيلسوفٍ مسيحيّ من القرن العشرين ، مُعنونٍ : قلب واحد، روح واحدة، جسد واحد * Marcel CLEMENT, un seul cœur,une seule ame,une seule chair, Ed. de l’escalade 1977, ex p42à 48-55à59 . يعطي هذا العنوان قبلاً توضيحاً قيّماً على جواب الأسئلة المطروحة في الأعلى.
يتركُ الرّجل أباه وأمّه : دون نفيًّ قطّ لأهله، يعلّمنا سفر التّكوين أنّ تكامل دعوة الإنسان الخاصّة تمرّ من خلال" الإنفصال الأهلي". يُحدّد لنا سفر التّكوين أيضاً الّلماذا لهذا الإنفصال الضّروريّ : ليلزم امرأته. نتوقّع من هنا أنّ كلّ فرد بشريّ مدعوّ للزّواج. هذا الزّواج، أوّلاً، يكون في مريم وفي الكنيسة، لأنّ جميع أرواحنا، المخلّصة والطّاهرة من خلال تضحية ابن الله، مدعوّة لقبول وحدة المحبة هذه مع المسيح، الّذي قد خلّصها بثمن دمائه. وهكذا، هناك بضع أرواحٍ معلّمة منذ زمن بعيد لتكريس بتولتهم للزّوج الإلهي. هذه الأرواح، يقول لنا الحبر الأعظم بيوس الثّاني عشر،" بتخلّيها عن أفراح الجسد في الزّواج، تبحث عن المعنى السّريّ، وعوضاً عن التّشبّه في ما يُطبّقُ في الزّواج، تطمح على ما يرمزه" * De Sacre Virginitate بيوس الثّاني عشر، الرّسالة البابويّة . لأنّها مهما كانت نبيلة في واقعها البشريّ البسيط ،إنّ الأعراس المقدّسة هي أكثر وبنعمة علامة الوحدة الكاملة بين المسيح وكنيسته. وهكذا، بتأمّلنا على خصوبة المحبّة الإلهيّة الغير المخلوقة، بإمكاننا االإكتشاف، المنيرة بأعلى نورها، عن معنى الفريد لوحدة الأزواج الجسديّة، الظّاهرة في هبة متبادلة ، خصبة لا يُمكن تفريقها. هذا ليس فقط بجسدي. لا تتضمّن خصوبة النبات والحيوانات الجسديّة أيّ واقع روحي للمعرفة والمحبّة. في المقابل، إنّ زواج الرّجل والمرأة هو في نفس الوقت واقع ورحيّ وحقيقة جسديّة. يتطلّب معرفة روحيّة ومحبّة روحيّة، حنان القلبين وانسجام الأجساد. لأنّ الرّجل والمرأة هما على صورة الله، ولكن مجسّمين في جسد حيّ، خاضعٍ لتّكاثرات الجيل ولإنحطاطات الفساد، عليهما في الوقت نفسه تأمّل سرّ المحبّة الإلهيّة الّذي يسكن في روحهما وقبول تواضع الشّغفات البشريّة، مع حيائها، عدم صبرها، وعبوديّتها أيضاً. متمّم في قراره الرّوحين متعلّق بعبوديّة الجسد في تعبيره الأكثر تواضعاً، يتطلّب محبّة الزّوجين عذوبة، صبر طويل وبطيء لكي يزدهر في نموّ واحد. يتطلّب هذا الصّبر بقدر ما يرفض عدوّ البشريّة الخقيّ بحركة واحدة تجسّد الكلمة وصورته : تجسّد المحبّة في الزّواج. إنّ محبّة
إنّ محبّة الرّجل والمرأة هو دائماً مهدّداً من قبل إبليس، الّذي يقترح مرّةً لفساد الجسد وجيله، ومرّة أخرى يقنع من جعل المحبّة معبوداً والتّلذّذ به باستمرار. في التّجربتين الإثنتين، يُهاجم الشّيطان دائماً خصوبة المحبّة، في هدف تدمير المحبّة نفسها.
إنّ حميمة الزّوجين الرّوحيّة، وتحديداً في نطاق السّرّ الّذي يجمعهما يولد وحدة المسيح مع كنيسته، هي الأكثر عمقاً وألأكثر كمالاً الّتي يُمكن جمع معمّدين إثنين على هذه الأرض. هي حميمة شخصين إثنين يوحدهما السّرّ بطريقة داخليّة جدّاً لدرجة، أنّ في كماله المحيّ، يمكنه تحيق وحدة القاوب، الأرواح والنّفوس في سعيهم لدعوتهم. على ماذا يقبلون الّذين يُقرّون الزّواج من خلال" النّعم" السّرّي ؟ جوهريّاً على حميمةٍ لن تكون بعد الآن ببساطة وحدة أرواح الخطّاب الحرّة والباطلة، بل الّتي ستكون تقدمة الرّوح النّهائيّة للواحد وللآخر، للإجابة معاً للدّعوة الجديدة المتّحدة الّتي ستُعبّر في" تملّك" الأجساد : أنا لحبيبي وحبيبي لي( نش٦ ٢). إنّ الحقوق المتبادلة الّتي تنمو من هذا الإنتماء المتبادل هي مقارنة من قبل النّهاية الّتي هما معيّنين لها : خصوبة المحبّة وفرح هذه المحبّة. لا يُمكن، والقول أنّ الوجه الخاص لهذه الملكيّة، الّتي يقبلها كلّ واحد في ارتباطه لقلب الآخر، لا يُمكن أن تُترجم، بالتّبادل، إلاّ من خلال احترام متدفّق دائماً من كلّ واحدٍ وذلك لإنتشار حريّة الآخر. إذا بقي كلّ واحد من الزّوجين، وطيلة الحياة الزّوجيّة، مهموماً بالعطاء وليس بالأخذ، مهموماً للتّكريس وليس لتكريس الآخر له، كلّ مودّة لمساعدة الآخر، وعند الحاجة، مسامحة أغلاط الآخر، فسيكون لهذا الإنتماء المتبادل لدعوة الزّواج معناه الحقيقي : التّضحية الحنونة والدّائمة، الحرّة وعفويّة الواحد للآخر.
بمعنى آخر، بإمكاننا القول أنّ القبول يكشف على شفافيّة نفوس الزّوجين المتبادلة. لا يحقّ للواحد إجبار الآخر. لكن إذا بساطة القلوب في نور الروّح القدس تؤدّي الزّوجين لقول الواحد والآخرعلى ما هما،مع عيوبهما وضعفهما، مع أنانيّتهما وكبريائهما، مع رغبتهما بالمساعدة... أو أحياناً الخوف من "شدّة" مساعدة الآخر، عندها سيكونان ، قبلاً في روحهما، وفي الحقيقة، تحت نظر الواحد والآخر. متعاشران من دون أيّ أُكذوبةٍ، متسامحان مع كافّة التّحفّظات، سيُحقّقان من خلال هذا التّجرّد الرّوحيّ عُريّ في استسلام الأرواح الّذي سيُعطي معناه الكامل من خلال الحركات الّتي ستُكشفُ، في استسلام الجسد الحنون، والّذي لا يُفشى إلاّ في الزّواج. لا يَشُكنّ أحد بخطّة الله هذه. إذ يختمُ سفر التّكوين قبل سيرة الخطيئة الأصليّة : ...فيصيران جسداً واحداً. وكانا كلاهما عُريانين آدم وامرأته وهما لا يخجلان( تك٢ ٢٤ـ٢٥).
ما هي العائلة؟
إنّ العودة لحركة الله الخالق الأساسيّة هي ضرورة للعائلة إذا أرادت التّعارف والتّحقّق حسب الحقيقة العميقة، ليس فقط من كيانها، بل أيضاً على نطاق عملها في التّاريخ. إنّ العائلة مكوّنة على أساس "وحدة عميقة من الحياة والمحبّة" * Gaudium et Spes, 48. المجمّع المسكوني. فاتيكان ٢، الدستور الرّعوي عن الكنيسة في عالمنا اليوم . وللعائلة مهمّة وهي أن تُصبح دائماً أكثر ممّا هي عليه، أيّ وحدة الحياة والمحبّة، في توتّر يجد نهايته ـ ككلّ حقيقة مخلوقة ومخلّصة ـ في ملكوت الله. في نظريّة تَصِلُ جذور الحقيقة نفسها، يجب القول أن أساس العائلة وواجباتها هي محدّدة من خلال المحبّة. لهذا السّبب تُكلّف العائلة بمهمّة رعاية المحبّة، إظهارها ونقلها. هذه المحبّة هي الواجهة الحيّة ومشاركة الله الحقيقيّة للبشريّة ولمحبّة المسيح يسوع لزوجته الكنيسة.
إذاً في تصميم الله الخالق والمخلّص تكتشف العائلة ليس فقط "هويّتها"، على ما" هي عليه"، بل أيضاً "مهمّتها"، على ما يُمكن ويجب" فعله". أيّتها العائلة، "أصبحي" على ما" أنتِ" عليه * Familiaris Consortio § 17. البابا يوحنا بولس الثّاني، عظات بابويّة : وحدة عميقة للحياة والمحبّة.
نصائح فرنسيس للعائلة
عندما كان يوصي فرنسيس الإحسان،ففي نيّته رؤية انتشار حياة العائلة، مع اتّفاقها ومودّتها (٢ش ١٠٨). كان يقول :" أريد من إخوتي أن يُظهروا جميعاً أنّهم أبناء من أمّ واحدة ؛ إذا طلب واحد ثوباً، أو حبلاً أو أيّ شيء، فليُعطه الآخر بسخاء... " . ولن يصدُرَ أيّ أمرٍ لم يُكمّله هو أوّلاً من خلال المسيح، فيُعطي هو أوّلاً المثال.
لا نجد بعد، في كتابات فرنسيس، نصوصاً تتوجّه إلى العائلة بالتّحديد. مع هذا، يُمكن "تغيير" عددٍ من كتاباته مباشرة إلى هذه الأخيرة. لتنمية فكرنا، سنُعيد بعضاً من هذه الكتابات. سنُلاحظ، مرّة أخرى، أنّ روحانيّة فرنسيس، مهما كانت موجّهة نحو الثّالوث، هي روحانيّة" تطبيقيّة" ، أيّ العمل بها بطريقة واقعيّة في حياتنا اليوميّة ؛ بالنّسبة لفرنسيس، إنّها حتماً أعراس الرّوح مع المسيح الّتي يُبحثُ
عنها، ولكن تتحقّق هذه الأخيرة في حياة كلّ يوم. كما بإمكاننا تخيّلها، لن تُعطينا هذه النّصوص عرضاً كاملاً عن الّذي يُحي حياة العائلة، ولكن ستُعطينا عدّة توضيحات. لتمهيدها، لنطرح خمس أسئلة على فرنسيس ولنرى ما يُقدّم لنا من أجوبة :
ما العمل، في عائلةٍ، حتىّ يكون كلّ شيئ على ما يرام ؟ ▪
ما العمل، في عائلة، عندما يكون كلّ شيء سيّء؟ ▪
كيف، في عائلة، نُساعد الزّوج في الحاجة، أو أخاه ، أخته، أباه أو أمّه ؟ ▪
ما هي الطّرق المجهّزة لعيش الوصيّة الإلهيّة، ولعيشها دون انحراف : لن تزنِ ؟▪
وأخيراً، ما الّذي يطرد الرّذائل ؟ ▪
لا شجار ولا تشنيع، بل محبّة أخويّة وروح فقر
نتساءل كيف بإمكاننا التّنسيق بين روح الفقر وحياة العائلة؟ هل يوجد حتّى فقط علاقة بينهما ؟ ألا نتشارك" كلّ شيء" في عائلة، دون أخذ العين في هذا المشترك، نوعاً من روح الفقر؟ ستنقل لنا الأسطر الّتي تلي أجوبة هلى هذه التّساؤلات.
يوجد في حياة زوجين ، في حياة عائلة، أوقاتاً من الوجود تغمر الأفراد. إذا أخذنا إستعارة أرصاديّة، فستكون" الشّمس السّاطعة" مع" سماء زرقاء دون غيوم". ولكن بما إنّ "مزاج السّماء" يتغيّر ، هناك أيضاً في حياة الزّوجين والعائلة، أيّاماً "غائمةً"، "ممطرةً"، "عاصفةً" أو أسوأ ايضاً،" كارثيّة". إنّ الأسباب الممكنة لهذه الأيّام الصّعبة هي، طبعاً، متعدّدة. يثمكن أن تنتُجَ من مجرّد تعبٍ بسيط ؛ عندها،" يهبّ النّار" ؛ تتخطّى الأقوال بسرعة الفكر، وها هو الصّراع. يُمكن أن تكون متحدّرة من طبع حادّ (أو أطباع حادّة) ، وذلك من قلّة وجود الفضيلة عند الواحد، من حبّ الآخر الملكيّ أو الأنانيّ ، من كسل الواحد أو من حبّ مبالغ آمر من الآخر، من انخفاض شعور الحبّ... إنّ اولى نتائج هذه الأغلاط هي ظهور معارضة الآخر. سيقول الزّوج(ة)، أو سيُفكّر :" لم أتزوّج لكي أسمع أو أخضع لهذا ؛ إذا لا
أعارض، فلن يكفّ( تكفّ) أبداً". أمّا الولد فسيقول : "هو الّذي قد بدأ" ، محاولاً التّبرئة و("حلّ ")حدّة فعله. باختصار، يجب التّصرّف والتّصحيح : العين بالعين والسّن بالسّنّ. وكبداية، سنبحث عن إدخال جميع الحوار العائلي لصالحه وبالتّالي دائرة المحيط العائلي. سننقل أحداثٍ قديمة كريهة للإظهار أنّ "الكأس قد فاض"... يمتلك الفرد سلاحاً، ألأكثر مرعباً بين الجميع، للتّعبير عن كراهيته : لسانه. نفس الطّريقة الّتي طعة مع سماءأوقاتاً من الوجود تغمر الأفراد. هلى هذه التّساؤلات. نتشارك كلّ شيء في عائلة، دون أخذ الخين في هذا
لتجنّب مجيء أو تعدّد الأيّام الصّعبة، يُعطيني فرنسيس "وصفةً "في قانونه الأولى( ١ق ١١) : فليحذر جميع الإخوة من الإفتراء والمشاجرة، بالكلام. لا بل، فليجتهدوا في التزام الصّمت، كلّما منّ عليهم الله بهذه النّعمة. ويجب الآّ يتخاصموا فيما بينهم، أو مع الآخرين، بل فليحرصوا على الرّدّ بتواضعٍ قائلين :" أنا عبد بطّال". ولا يغضبوا، لأنّ كلّ من يغضب على أخيه يستوجب حكم القضاء ؛ ومن يقول لأخيه" يا أحمق"، يستوجب حكم المجلس؛ ومن يق ول له :" يا أبله" ، يستحقّ نار جهنّم. وليحبّوا بعضهم بعضاً، على حدّ قول الرّبّ : "هذه هي وصيّتي، أن تُحبّوا بعضكم بعضاً، مثلما أحببتُكم أنا" . وليُظهروا، بالأعمال، حبّ بعضهم لبعض، على حدّ قول الرّسول : "لا تكن محبّتنا بالكلام أو بالّلسان، بل بالعمل والحقّ". ولا يُهينوا أحداً. ولا يتذمّروا، ولا يغتابوا الآخرين، لأنّه مكتوب : "النّمّامون والمغتابون يُبغضهم الله". وليكونوا بسطاء، وليُبدوا دائماً الحلم لكلّ البشر. ولا يحكموا ولا يُدينوا. وكما يقول الرّبّ، عليهم ألاّ يُراقبوا أصغر خطايا الآخرين ؛ بل ليُفكّروا في خطاياهم، في مرارة نفوسهم. وليَجهدوا في الدّخول من الباب الضّيّقن فالرّبّ يقول :" ضيّق هو الباب، ووعر الدّرب المؤدّي إلى الحياة، وقليلون هم الّذين يهتدون إليه".
أحبّ من يصفَعَكَ على الخدّ
رُغم جميع هذه التّدابير الجيّدة لتطبيقها في يومنا، تأتي أحياناً أيّاماً أقلّ سعادة. يُعبّر فرنسيس، الّذي لا ينسب الكمال للطّبيعة البشريّة، بوضوح عن هذا الخطر في توصيته ١٤، خطراً مألوفاً لا فرار منه في الحياة اليوميّة، ويُعطيني الحلّ لتطبيقه لكي أعيشَ أنا واقعيّاً روح الفقر : ... كثيرون ه م الّذين يسترغقون في الصّلوات والفروض، ويكبّدون أجسادهم الكثير من الصوام والإماتات، ولكنّهم، من جرّاء كلمةٍ واحدةٍ يرون فيها ظلماً لأجسادهم، أو بسبب شيء يُسلَبُ منهم، يثورون حالاً ويضطربون. هؤلاء ليسوا بفقراء بالرّوح، لأنّ من كان، حقّاً فقيراً بالرّوح، يُبغِضُ ذاته، ويحبّ من يصفعونه على خدّه.
نرى جيّداً" روحانيّة فرنسيس التّطبيقيّة". هي لا تبحث عن فصل معارضين إثنين، أو أن تُعطي حكماً للواحد أو للآخر. ولكن، في وضع نزاعيّ، يُعيدنا فرنسيس لنفسنا. إذا اقترف الآخر ظلماً تجاه" الأنا "العزيز، غذاً فلكي لا أغضب. يدعونا لكي يحذروا من أن يغضبوا، ويضطربوا، بسبب خطيئة أحدٍ، إذ إنّ الغضب والإضطراب يمنعان المحبّة فيهم، وفي الآخرين(٢ق٧ ٣). كي لا أبحث عن الإنتقام. بل، بالعكس، وعلى مثال مخلّصنا الّذي عبّر جيّداُ عن هذه الصّلاة على الصّليب : إغفر لهم خطاياهم، كي أُحبّ دائماً أكثر الّذي أو الّتي آذاني. هل يعتبر فرنسيس أنّه بالأمر السّهل ؟ لا. يعي فرنسيس جيّداً أنّه شيئاً صعباً جدّاً، خصوصاً إذا كانت المشاكل كبيرة. لذلك، فهو لا يتردّد، في تعليقه على الأبانا، للتّضرّع بالله، عالماُ بتواضع عن عجزنا للمسامحة كليّاً : وما لا نغفُره كليّاً، إجعلنا، يا ربّ، نغفره كليّاً. ويُتابع بتعدادنا، في الوقت نفسه، حلول هذه الصّلاة المتواضعة وثمارها : لكي نُحبّ أعداءنا، حقّاً، من أجلكَ، ولكي نشفَعَ لديكَ، بتقوى، من أجلهم، غير مجازين شرّاً بشرٍّ، ولكي نجهد كي نكون، بكَن مفيدين في كلّ شيء.
الرّأفة تجاه القريب
طوبى للإنسان الّذي يُساند قريبه في هشاشته، بقدر ما يتمنّى أن يُسانده قريبه عندما يكون هو في حالٍ مماثل. عندما نمنحُ نفسنا وقتاً لتأمّل توصية فرنسيس هذه( ت١٨)، الأوجز بين جميعها، نُلاحظُ أنّها جوهرة حقيقيّة لحياة أخويّة، خصوصاً في حياة العائلة. بالفعل، من هنالك أقرب منّا، كقريبٍ، إلاّ الزّوج(ة)، ولدنا، أبينا أو أمّنا، أخينا أو أختنا؟ في هذه التّوصية، يصف لنا فرنسيس الرّأفة تجاه القريب، أيّ شهادة المحبّة هذه الّتي تجعلنا نشاركُ حميميّاً المحنة الّتي يمرّ بها الآخر والّتي بإمكاننا ترجمتها حرفيّاً :" إحتمل الواحد الآخر". هذا هو تماماً شعور المحبّة والرّحمة الّلذان أجزلهما الله على البشريّة المتألّمة : مزدرئ ومخذول من النّاس. إنّه لقد أخذَ عاهاتنا وحملَ أوجاعنا( أش٥٣ ٣-٤). في الألآم والمحن، يدعونا فرنسيس لدعم قريبنا، أيّ مساعدته للتّماسك، أكان على الصّعيد الرّوحيّ والجسديّ : وحيثما وُجِدَ الإخوة، والتقوا، فليُظهروا بعضهم لبعضٍ، أنّهم من عائلة واحدة. وليُظهر كلّ واحد للآخر حاجته، بثقةٍ، فإن كانت الأمّ تُغذّي ابنها الجسديّ، وتحبّه، فبأيّ مزيد من الحبّ، يجب على كلّ فرد أن يُحبّ أخاه الرّوحيّ ويُغذّيه ؟ وإن مرضَ أحدهم، فعلى سائر الإخوة أن يخدموه، مثلما يرغبون في أن يُخدموا هم أنفسهم (٢ق٦ ٧-٩).
من خلال كتاباته، نرى أنّ فرنسيس لا يدعونا أبداً أن نتحوّل إلى بطلٍ، الّذي قد يسعى للقول : "إنتبهوا، سترون على ما أنا قادر عليه ! أنا الحلّ لجميع مشاكلكم !". لا! يدعونا فرنسيس، المعتدل والمتّزن دائماً في تقديره للطّبيعة البشريّة، للتّواضع في عملنا : مساندة القريب في هشاشته (وليس في قوّته الخاصّة) يقوله لنا في توصيّته، وأيضاً يُحدّد لنا في قانونه : وليُظهر كلّ واحد للآخر حاجته، بثقة. لأنّ كلّ فرد" بحاجة دائماً للآخر"، بنفس الطّريقة إنّ الآخر" بحاجة" دائماً إليّ. وكذلك بالنّسبة للعائلة : نساعد الآخر للإرتفاع نحو الله عندما نسانده، كما نساعده عندما نتقبّل مساندته بكلّ تواضع.
لقد تحدّثنا عن مساعدات على مستوى الجسدي والرّوحي. إنّ هذين الوجهين، هما، في أكثر الأحيان، مرتبطين بدقّة، فالواحد يسمح بتحقيق الآخر. يوجد أنّ فرنسيس قد كتبَ قانوناً من بضعة أسطرٍ يخصّ المحابس. كانت المحابس أمكنة تسمح للإخوة بالقيام بفترات من الرّياضات الرّوحيّة، نوعاً من "إقامات في الصّحراء". إذا كان من الصّعب مقارنة هذه الإقامات في الصّحراء مع حياة العائلة اليوميّة، فإنّ قانون المحابس يتضمّن رغم ذلك بعضاً من التّوضيحات المهمّة الّتي يُمكن" تغييرها" تماماً لحياة العائلة. ستقوم الأمّهات(الأهل إذاً) بدور مرتا والإبنين( الأولاد إذاً) دور مريم (ق م٢). ترمز أختي الإنجيل إلى : الأولى الحياة النّشيطة، والثّانية الحياة التّأمّليّة. يبدو أنّ المثل الإنجيلي الإشارة أنّ المعنى الأوّل من حياة المحبسة وهدفها بالنّسبة لفرنسيس كان أقّل الهروب التّقشّفي من العالم كالرّغبة الصّوفيّة والبحث عن الله. كذلك، إنّ استقبال الأولاد بجودٍ وتربيتهم هو مخصّص أقلّ" لتكاثر"الجنس كتوجيه قلوب جديدة وأرواحٍ جديدة نحو أبينا السّماويّ. لخّص شخص ثلاثي معروف من القدّ يس فرنسيس، القدّيس الكاهن من أرس، هذه الفكرة تماماً : "على الآباء والأمّهات الوعي جيّداً أنّ أهمّ مهَمّتهم هي العمل لإنقاذ أرواح أولادهم وأنّ ليس لديهم أيّ عمل يتخطّى قبلآً هذا الأخير؛ بل أكثر من هذا، إنّ خلاصهم مرتبط بخلاص أولادهم" . وكما لفرنسيس، إنّ الحياة هي حقل كبير بالمشاركة، يختم أنّ الإبنين القائمين بدور الأمّين، هو كالقول أنّ على الأولاد أيضاً مساعدة أهلهم، ماديّاً وروحيّاً.
النّظر الشّرير ومعاشرة النّساء
سيُحدّثنا البند ١٧ من قانوننا (والّذي سنعالجه لاحقاً) خاصّة عن الأمانة.
إذ يُعطي القدّيس فرنسيس عدّة أنظمة تطبيقيّة لإخوته، أنظمةٍ قد تخصّ أيضاً الأمانة الزّوجيّة، أو أكثر بعداً، ألأمانة للوصيّة الإلهيّة : لا تزنِ (خر٢٠ ١٤). تُلخّص الكلمات الأولى من البند ١٢ من قانون فرنسيس الأوّل هذه الأنظمة
التّطبيقيّة : فليحذرجميع الإخوة، أينما كانوا، وحيثما ذهبوا، من النّظر الشّرير، ومن معاشرة النّساء. تجاه هكذا تأكيد، الّتي لم تواجه أيّ معارضة، هل بإمكاننا النّهي أنّ فرنسيس هو عدوّ النّساء الرّهيب ؟ أو أسوأ من هذا، أنّه يضمر أنّ المرأة هي سبب الخطيئة ومصدرها، وأنّ مجرّد النّظر إليها أو معاشرتها قد يؤدّي إى الهلاك ؟ لقد حرّفت هذه الخاتمة فكر فرنسيس. يجب التّفكير أوّلاً أنّ فرنسيس، عندما دوّن هذا النّصّ، يتوجّه إاى إخوته، أيّ إلى رجالٍ، والّذين لا ينعمون "بحماية" السّياج الرّهباني. وأيضاً، فيما يخصّ روح النّصّ، بإمكاننا التّأكّد أنّه إذا توجّه إلى نساء، لكان وصف لهنّ بارتداء ثياب بطريقة لا تُثير أنظار الرّجال الشّريرة. إذاً، فهو لا يقوله ولا يضمرُ، أنّ المرأة هي سبب الخطيئة ومصدرها. ببساطة، يعي فرنسيس أنّ الطّريقة الّتي يستعملها الشّيطان عادةً لإغراء الرّوح البشريّة هي جانب الطّبيعة الجسدي * طبعاً، بإمكاننا إعادة القراءة مجدّداً وبمنفعةٍ بداية الفصل الثّاني من كتاب التّكوين هذا، الّذي يُعدّد لنا طُرق إغراءات الشيطان العدّة الّتي يستعملها للفصل بين الخليقة البشريّة وخالقه. . يعلم أيضاً، كما يقول القدّيس بولس، إنّ الرّوح قويّة ولكنّ الجسد ضعيف. وأيضاً، بالنّسبة لفرنسيس، إنّ الفضيلة الرّئيسة وهي الشّجاعة، الّتي تسمحُ بمقاومة إغراءات الجسد، تتوحّد مع الفضيلتين الرّئيسيّتين الأخرتين الّلتين هما الإعتدال والحكمة : كيد، الّتي لم تواجه أيّ معارضة، هل بإمكاننا النّهي أنّ فرنسيس هو عدوّ النّساء الرّهيب ؟ أو أسوأ من هذا، أنّه يضمر أنّ الم
٠١ فليحذر الإخوة من النّظر الشّرّير الموجّه إلى النّساء : وهو بالسّيطرة إذاً على المصدر الّذي يُمكن إثارة الشّهوات ؛ إنّه اعتدال النّظرة. إذا نظرنا إلى امرأة، يجب النّظر إلى روحها ولا إلى جسدها ؛ هما الإعتدال والحكمة :
٠٢ لكي يتجنّب الإخوة، الّذين هم في هذا العالم، الخطيئة، يحدّد لهم فرنسيس الحكمة كفضيلة قوّة : ولا يتحدّثنّ أحد منهم أو يسرنَ معهنّ بمفرده( ١ ق١٢ ٢). سيذهب أيضاً بالحكمة الّتي يصفها إلى توصية إخوته بعدم حدوث لقاءات أو أعمالٍ قد يُمكنُ أن تكون محطّ تفسير سيّء في نظر الشّعب : آمر بحزمٍ، جميع الإخوة،أن لا تكون لهم علاقات أو أحاديث مشبوهة مع النّساء... كيلا تُثير هذه المناسبة شكوكاً بين الإخوة أو حول الإخوة(٢ق١١).
وهكذا نرى أنّ الطّريقتين الإثنتين الّلتان حدّدهما فرنسيس لإخوته لمساعدتهم لعيشهم دعوة العفّة منقولتين مباشرة لكلّ شخصٍ ليس هو نفسه أخ فرنسيسي. بالنّسبة لهؤلاء الأشخاص، سيكون إحترام دعوة الأمانة، دعوة العفّة، أو، أكثر بساطةٍ، إحترام الوصيّة الإلهيّة : لا تزنِ. وهكذا، زوج أو زوجة، شاب أو شابّة، كاهن... هم معنيّون بهاتين الطّريقتين الصّالحتين العمليتين الّلتان يحدّدهما فرنسيس بحزم :
١/عدم التّطلّع بتاتاً بأنظار شرّيرة (أو العكس، عدم إثارة الأنظار الشّريرة) ؛ ٢/ عدم الوجود في مواقف يُمكن تسهيل فرص الخطيئة، أو يُمكن فقط أن تكون مبهمة.
الفضائل تطرد الرّذائل
إنّه عنوان إحدى توصيات فرنسيس (ت٢٧). هذه الأخيرة هي مقدّمة رائعة للفضائل نطلبها من الله لكي نعيشها في عائلتنا :
حيث المحبّة والحكمة، لا خوف ولا جهل.
وحيث الصّبر والتّواضع، لا غضب، ولا اضطراب.
وحيث الفقر والفرح،لا طمع، ولا بخل.
وحيث الرّاحة والتّأمّل، لاقلق، ولا تشرّد.
وحيث مخافة الرّبّ لحراسة مدخلٍ، لا مكان للعدوّ ليدخل منه.
وحيث الرّأفة والتّمييز، لا انتقاد، ولا قسوة قلب.
العائلة
البند١٧.
سيُظِهر الأزواج في العالم خصوصاً،بعيشهم نِعَم الزّواج، محبّة المسيح لكنيسته. من خلال تربيةً مسيحيّة، مبسّطة ومنفتحة، واعين لدعوة كلّ فرد، سيتبعون بفرح مع أولادهم طريقهم الإنساني والرّوحي * : 41 e دستور عن الكنيسة II فاتيكان "...أمّا بالنّسبة للأزواج والأهل المسيحيين، فعليهم، من خلال اتّباع طرقهم الخاصّة، بالتّعاون المتبادل في أمانة المحبّة مع مساعدة النّعمة، طيلة حياتهم وترسيخ الحقائق المسيحيّة بمحبّة وفضائل الإنجيل للأولاد الّذين نُعِموا بهم من الله. بالفعل، فمن هنا يكونون قدوة للجميع لمحبّة لايُملّ منها وسخيّة،يساهمون في رفع الإحسان الأخويّ وينقلون شهادتهم وتعاونهم لخصوبة الكنيسة، أمّنا، كشهادة لمشاركتهم للمحبّة الّتي كنّها المسيح لزوجه والّتي قد سُلّم من أجلها. قد أُعطِيَ مثل مشابه من جانب آخرمن خلال الأرامل والعازبين الّذين قد يكون عونهم من أعلى القيم لقداسة الكنيسة ونشاطها. بالنّسبة للّذين يمارسون أعمالاً قاسيةً أحياناً، فعلى نشاطهم الإنساني إنمائهم شخصيّاً والسّماح لهم بمساعدة مواطنيهم والمساهمة لرفع مستوى المجتمع بكامله والخليقة، وأخيراً الإقتداء من خلال إحسان حيويّ، المسيح الّذي أراد ممارسة العمل اليدويّ والّذي مع أبيهن لم يكفّ عن العمل لخلاص الجميع. ليكونوا في أملٍ سعيد، متعاونين في حمل الأعباء، مترفّعين من خلال عملهم اليومي لقداسة دائماً أكثر علوّاً،قداسةٍ ستكون أيضاً رسوليّة. ليعوا هم أيضاً أن يكونوا دائماً متّحدين خصوصاً بالمسيح المتألّم لخلاص العالم، الّذين يُثقلهم الفقر، العاهات، المرضن المحن المتعدّدة أو الّذين يتألّمون من الإضطهاد من أجل العدالة : لقد أعلنهم الله في الإنجيل طوباويّين و"أنّ إله كلّ نعمة الّذي دعاكم إلى مجده الأبديّ في المسيح يسوع بعد تألّمكم اليسير يجعلكم كاملين راسخين مؤيّدين مؤسّسين(١بط٥ ١٠). وهكذا، سيذهب جميع المؤمنين بالمسيح مقدّسين أكثر في الحالات، المَهمّات والظّروف الّتي تخصّ حياتهم وبفضلها...". مرسوم عن تبشيرالعلمانيّن ٣٠ ٲ ب: " يجب أن يبدأ التّثقيف الرّسولي منذ تربية الأولاد الأولى، ولكن على المراهقين واليافعين خصوصاً أن يكونوا متدرّبين على التّبشير ومطبوعين بروحه. من جهة أخرى، سيكون هذا التّعليم متابعاً طيلة الحياة تبعاً للتّطلّبات المطروحة من خلال مهمّات جديدة. من الواضح إذاً أنّه يعود إلى الّذين لديهم مهمّات التّعليم المسيحي بالإرتباط لهذا التّعليم التّبشيري. يتوجّب على الأهل، في وسط العائلة نفسهان تحضير أولادهم منذ صغرهم لإكتشاف محبّة الله تجاه جميع البشر ؛ سيُعلّمونهم تباعاً -وخاصّة بواسطة المثل – على أن يهتمّوا لحاجات قريبهم، أكان على الصّعيد الماديّ أو الرّوحيّ. على العائلة جميعها، في وحدتها للعيش، أن تُحقّق هكذا أوّل تعليم للتّبشير. ولكن من جهة أخرى من الضّروري تكوين الأولاد بطريقة، تتخطّى المحيط العائليّ، فينفتح ذهنهم لحياة الجمعيّات، الكهنوتيّة كما الزّمنيّة. يجب أن يكون دمجهم في المجتمع الرّعويّ الدّاخليّ بطريقة يشعرون أنّهم أعضاءً أحياء وفعّالين لشعب الله... أمّا بالنّسبة للمعلّمين والأساتذة، الّذين من خلال دعوتهم وواجب الدّولة، يمارسون ناحيةً رائعةً من التّبشير، فمن المهمّ أن يكونوا متعمّقين بالمذهب والتّربية الضّروريّن لنقل هذه التّربية بفعاليّة. على التّجمّعات والجمعيات العلمانيّة المتعدّدة الّتي تتخصّص للتّبشير أو لكلّ هدف روحيّ آخر، التّسهيل بعناية وحزم، لتعلين التّبشير، تبعاً لأهدافها وأحكامها الخاصّة. من جهة أخرى تُشكّل هذه المنظّمات أحياناً وسيلة هذا التّعليم العاديّة للتّبشير. بالفعل نجد التّعليم المذهبي، الرّوحي والتطّبيقي. يفحصون أعضائهم، المجتمعين بأعداد صغيرة مع أصدقائهم أو رفقائهم وسائل عملهم التّبشيري ونتائجها ويبحثون معاً في الإنجيل لحكم حياتهم اليوميّة. على هذا التّعليم أن يتواصل بطريقة تحسب أمر التّبشير الّذي يتوجّب على العلمانيّن، إذ لا يجب على هذا الأخير أن يُمارس ضمن التّجمّعات والجمعيّات بل في جميع ظروف الحياة، خصوصاً الحياة المهنيّة والإجتماعيّة. وأكثر أيضاً، على كلّ علمانيّ أن يتحضّر بنفسه حيويّاً للتّبشير؛ هذا صحيح خصوصاً للرّاشدين. بالفعل، عند طعننا بالسّنّ، ينفتح الذّهن زيادةً، وكلّ فردٍ إذاً هو قادر أكثر باكتشاف المواهب الّتي وُزّعت عليه من قبل الله، ويُمكنه الممارسة بفعاليّة أكثر الهبات الّلدُنية الّتي وهبها له الرّوح القدس من أجل خير إخوته. .
في عائلتهم، سيعيشون
يتضمّن شكل حياة قانوننا (أيّ مجموع فصله الثّاني) مجالاً واسعاً لحياتنا الإنسانيّة والرّوحيّة. رغم ذلك، لم تُحدّد" أماكن" عيش حياتنا الرّوحيّة، باستثناء واحد : في عائلتهم، سيعيشون... بإمكاننا التّساؤل حول وجود تحديد دقيق كهذا في قاعدة حياتنا ! ألم تُحدّد لنا كما للإصرار قرب كلّ فرد منّا أنّه يجب البدء" من هنا"... ؟! بنفس الطّريقة أنّ الوجود البشري، في ناحيته الماديّة، يلد وينمو في قلب العائلة، كذلك تدرّج المحبّة يلد وينمو في هذه العائلة. م تُحدّد الأماكن الّتيصله الثّاني مجالاً واسعاً لحياتنا الإنسانيّة والرّوحيّة.
إنّ العائلة، المؤسّسة والمنعشة بالمحبّة، هي وحدة أشخاصٍ( الزّوجين، الأهل والأولاد، الأسرة). واجبها الأوّل هو عيش واقع الوحدة بأمانة في جهد دائم لتنمية وحدة أشخاص مميّزة. إنّ المبدأ الدّاخلي، القوّة الدّائمة والهدف الوحيد لواجب كهذا، هو المحبّة. بنفس الشّيء بلا محبّة، ليست العائلة وحدة أشخاص، لهذا، بدون محبّة، لا تستطيع العائلة العيش، النّموّ والتّكامل كوحدة أشخاصٍ. لا يُمكن للإنسان العيش دون محبّة. يبقى لنفسه كائناً مبهماً، حياته محرومة بالإدراك إذا لم يحصل على رؤيا المحبّة، إذا لم يُصادف المحبّة، ويختبره ويجعله ملكه، إذا لم يُشارك بقوّة * . Familiaris consortio, § 18 البابا يوحنّا بولس الثّاني، عظة رسوليّة .
يوجد عامل أساسيّ لبناء وحدة عائليّة كهذه : وهو التّبادل التّربويّ بين الأهل والأولاد، الّذي يسمح لكلّ واحد بالأخذ والعطاء. هي يُمكن أن نجد تعريف لحياة العائلة أكثر روعة من كلمات الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثّاني :" العطاء والأخذ" ؟ ولكن إعطاء وأخذ ماذا ؟ يُمكننا الإجابة بعد الآن بسهولة : العطاء والأخذ كلّ ما يحتاجه الكائن البشريّ للعيش، حاجات ماديّة (الخبز، الملبس، البيت،...) وحاجة للمحبّة. إذ ليست الحياة المسيحيّة الواقعيّة رفضاً أو فصلاً جذريّاً للبشريّ والرّوحيّ بل على العكس،هي تصعيد للبشريّ في الرّوحيّ.
عيش روح السّلام الفرنسيسيّ في عائلتنا
لماذا التّحدّث عن روح السّلام الفرنسيسي ؟ هل يتضمّن السّلام عدّو وجهات ؟ أجل ! هناك عدّة طرق لعيش السّلام. تعني كلمات المسيح الموجّهة لرسله ذلك بوضوح : السّلام أستودعكم ؛ سلامي اُعطيكم ؛ لستُ كما يُعطي العالم أُعطيكم أنا (يو١٤ ٢٧). إذا يُميّز المسيح بين سلامه وسلام العالم، هذا لأنّ هناك حتماً إختلافات بينها. يعتمد سلام العالم أحياناً أكثر على علاقة القوّة. تشهد عبارة معروفة جدّاً بثقة العالم في القوّة : إذا أردتَ السّلام، فاستعدّ إلى الحرب ! وهكذا، كم من مرّةٍ رأينا سلام البشر هذا يعتمد على عدد أو على قوّة الأسلحة المعتقلة ؟ ولكن، كما تنقل إلينا حكايات تاريخ الشّعوب، ليست القوّة دائماً في" نفس الجانب"، ولعدم التّحدّث إلاّ من ناحية هذه الأشياء، إنّ سلام البشر هو خاصّة ضعيف جدّاً. على العكس، ليس لسلام الله مقياس، ولا حدود. هو يُعبّر في محبّة الله الّلامتناهية والرّحومة تجاه النّفس التّائية. ويجد روح السّلام الفرنسيسي مصدره في محبّة الله هذه الّتي لا تعرف أيّة حدود. تُطبّقُ بعض كتابات فرنسيس، الّتي بدّلناها في الأعلى والّتي هي موجّهة إلى العائلة، واقعيّاً لروح السّم الفرنسيسي في العائلة : لا شجار و تشنيع، بل محبّة أخويّة وروح فقر ؛ أحبّ من يصفَكَ على خدّكَ ؛ الرّأفة تجاه القريب...
لمساعدتنا للتّعمّق وفهم روح السّلام الفرنسيسي، بإمكاننا الإستفادة من إعادة القراءة مجدّداً وتأمّل عظات فرنسيس للعائلة، المنقولة في الأعلى، وأيضاً الفصل الحادي عشربكامله من هذا الكتاب، المخصّص للسّلام.
عيش الأمانة في العائلة
في معظم الأوقات، تُعاش الأمانة الزّوجيّة كحيّز يسمح بتطوّر العلاقة ومشروع الحياة، وليس كإرغام * Tony Anatrella, Epoux, heureux époux… Essai sur le lien conjugal, Flammarion 2004, p.78 . لعدم الإسهاب مع بعض الأسطر السّلبقة الّتي عرضت قبلاً موضوع الإخلاص، سنُحدّد التّعاليق بالأسئلة التّالية :
٠١كيف الإستعداد سابقاً للإخلاص قبل الزّواج ؟
٠٢لماذا الكون مخلصاً؟ (سنتحدّث بعدها عن لاانحلاليّة الزّواج)
٠٣ما هو ملاط الأمانة الزّوجيّة ؟
٠٤أخيراً، هل من الممكن الإهتداء مجدّداً لطهارة النّفس بعد خطيئةٍ في مجال الإخلاص للوصيّة الإلهيّة ؟
٠١كيف الإستعداد سابقاً للإخلاص قبل الزّواج ؟ يوم الزّفاف، يهب الزّوجين الواحد لآخر، جسداً وروحاً، وذلك دون حرمان. لهذا السّبب خاصّة ولجعل تقدمة هذه الحصريّة، على الشّاب أو الشّابةّ حفظ عذريتهما إلى حين الزّواج. ليست إمكانيّة تقدمة هذه العذريّة السّبب الأوّل. إنّ أولى هذه الأسباب، ما يأمره لنا الخالق في نصّ سفر التّكوين : يترك الرّجل أباه وأمّه ويلزم امرأته فيصيران جسداً واحداً( تك٢ ٢٤). لا يوجد سبب إذاً لكي نًعكُسَ النّصّ في الواقع، عكساً يقول : يصيران جسداً واحداً، ثمّ يلزم الرّجل امرأته ! حتّى ولو لا يَعِدُ المضمون الإجتماعي المحيط بالعذرية قبل الزّواج، غير أنّ الأشخاص الّذين يعيشون حياة العزوبيّة، هم كما" سيتمرّنون" على الأمانة الزّوجيّة ؛ من السّهل دائماً أكثر، على الرّجل أو المرأة الّلذان لم يعرفا قبل زواجهما أيّة مغامرة جنسيّة، الكون مخلصاً لزوجه بالتّالي.
٠٢لماذا الكون مخلصاً ؟ بالتّحدّث عن وحدة الرّجل والمرأة في الزّواج، يُعلن القدّيس بولس : إنّ هذا لسرّ عظيم. أقول هذا بالنّسبة إلى المسيح والكنيسة( اف٥ ٣٢). لا يجب الإعتبار غذاً أنّ وحدة الرّجل والمرأة تتحدّد لتشبيه بسيطٍ لوحدة المسيح والكنيسة ؛ ولكن وحدة الرّجل والمرأة، من خلال سرٍّ يُثمرُ فعلاً ما يعنيه، يُشاركُ فعلاً. القول بأنّ الزّواج هو سرّ، هو القول أنّ الوحدة الّتي تجمع الرّجل والمرأة ليس فقط صلةً بشريّةً، بل إنّه الرّوح القدس الّذي هو هذا الرّابط. ومن هنا بإمكاننا فهم متطلّبات الكنيسة من ناحية الّلاإنحلاليّة. يكمن التّبرير الوحيد للاإنحلاليّة الزّواج في هذا : بما أنّ وحدة الرّجل والمرأة هي علامة ناجحة لوحدة المسيح والكنيسة( وبالتّعميم للبشريّة بكاملها) ، لا يستطيع الرّجل الإنفصال عن امرأته، على
صورة المسيح الّذي لا ينفصل عن كنيسته. أخيراً، زد على ذلك أقوال كلمة الله، سيّدنا يسوع المسيح، الّتي تتعارض مع الفرّيسيّن الّذين أرادوا اختباره : ولكن في بدء الخليقة ذكراً وأنثى خلقهم الله." لذلك يترك الرّجل أباه وأمّه فيلزم امرأته فيصيران جسداً واحداً. فليسا هما اثنين بعد ولكنّهما جسد واحد. وما جمعه الله لا يُفرّقه إنسان". (مر١٠ ٦-٩). ليست إذاً الكنيسة، المعلّمة والأمّ، الكاتب ولا الحَكَم َ لهكذا قانون. ولكن هي مقتنعة أنّه لا يوجد معارضة حقيقيّة بين القانون الإلهي بخصوص وراثة الحياة والّذي يُسهّل المحبّة الزّوجيّة الحقيقيّة. إذ على تربية الكنيسة الواقعيّة أن تكون دائماً مرتبطة للقانون الإلهي وعدم الإنفصال عنه أبداً. لقد كرّر الحبر الأعظم البابا يوحنا بولس الثّاني، بنفس اقتناع سلفه : إنّ عدم التّقلّل بشيء قانون المسيح الصّحّي هو شكل الإحسان السّام تجاه النّفوس * Paul VI, Encyclique Humanae vitae , 29. .
٠٣ما هو "ملاط" الأمانة الزّوجيّة ؟ للإجابة على هذا السّؤال، ليُسمح لنا هنا بنقل نتائج استقصاء عن الطّلاق، أُجريَ في بداية عقد ١٩٨٠، في إحدى ولايات أميركا. كشف هذا الإستقصاء أنّ :
في حال الزّواج المدني فقط : هناك طلاق واحد مقابل ٢ زواج ؛ ◄
في حال زواج دينيّ، ولأزواج لم يدخلوا الكنيسة قبل الزّواج ولا بعده : سُجّلَ طلاق واحد مقابل ٣ ◄ زيجات ؛
بالنّسبة لزيجات دينيّة، مع ممارسة دينيّة أسبوعيّة بعد الزّفاف ولكن دون حياة صلاة عائليّة يوميّة ◄ : سُجّلَ طلاق واحد مقابل٤٠ زيجات ؛
للزّيجات الدّينيّة، مع ممارسة دينيّة أسبوعيّة بعد الزّفاف وصلاة يوميّة عائليّة : سُجّلَ طلاق واحد ◄ مقابل ١١٠٦.
تفرض الخاتمتان الأساسيّتان لهذا الإستقصاء نفسهما :ألأولى، هو أنّ "ملاط" الزّواج يجد مصدره في الله. الخاتمة الثّانية هو أنّ الصّلاة هي القناة الّتي تنساب منها النّعمّة الإلهيّة في نفوسنا. إنّ جميع الّذين يقبلون بفتح نفوسهم لإستقبال الخالق، الرّحوم والمخلّص، يجدون فيه القوى الفوطبيعيّة الّتي تُساعدهم للعيش، على الأرض، فرح ملكوت السّماوات.
٠٣هل من الممكن الإهتداء مجدّداً لطهارة النّفس بعد خطيئةٍ في مجال الإخلاص للوصيّة الإلهيّة؟
بمعنى آخر، إذا اقترف شخص غلطةً أو أغلاطاً ضدّ الطّهارة هل بإمكانه" استرجاع" عذريّته المفقودة ؟ يُجيبنا الإنجيل بنعم، ذاكراً عدّة أمثال هذه الطّهارة المسترجعة، كمقطع الخاطئة التّائبة والمغفورة (لو٧ ٤٧-٤٨): لأجل ذلك أقول لك إنّ خطاياها الكثيرة مغفورة لها لأنّها أحبّت كثيراً... ثمّ قال لها : "مغفورة لكِ خطاياكِ.". ولإظهار لأيّ حدّ إنّ إصلاح الطّهارة دائماً ممكن، رغم دناءة الأغلاط الّتي قد اقترفناه وتعدّدها، ينقل لنا الإنجيل أيضاً مصالحة واضحة للمخلوق مع خالقه : مصالح مريم المجدليّة، الخاطئة، المرأة ذات السّبعة شياطين( لو٨ ٢). ولكنّها حصلت على المغفرة الإلهيّة بفضل توبتها وإرادتها الطّيبة بعدم الوقوع في الخطيئة مجدّداً. وهكذا، أصبح الشّخص المذنب أوّلاً والغير كاملاً، شخصاً صالحاً، وعندها يتطهّرالضّمير في بحر التّواضع، التّوبة والمحبّة. وبعدها مطهّراً ، يُمكن للشّخص" التّنافس" مع الّذين هم طاهرين منذ الأجل، الّذين لم يُخطئوا قط. ما هي درجة الطّهارة هذه الّتي حصلت عليها مريم المجدليّة لكي تكون أولى المستفيدين من ظهور المسيح المقيم في صباح أحد الفصح * بإمكاننا قول الفرضيّة أنّ في سياق الّليل، قام يسوع وظهر( أوّلاً) لأمّه. المقصود بفرضيّة نظريّة مستندة على احتمالٍ والفعل أنّها كانت على الجلجلة ولكنّها لم تأتِ إلى ضريح ابنها : بنسبة أفكارها المتألّمة، جاءت تعزيات ربّها تداعب روحها( مراجعة المزمار ٩٣). : فقال لها يسوع : مريم !... فالتفتت وقالت له : رابوني !... الّذي تفسيره "يا معلّم" ، وما هي هذه المَهمّة الفريدة الّتي أُكِلَت إليها، هي، الخاطئة السّابقة بسبعة شياطين : إمضي إلى إخوتي وقولي لهم...( يو٢٠ ١٦-١٧).
عيش احترام الحياة في عائلته
في تحليل البند١٧ من قانوننا، أردنا التّمييز بين الأمانة واحترام الحياة. ليست هنا إلاّ ضرورة تربويّة طاهرة، لأنّ نصّ البند يجمع الوجهين الإثنين كما لو أنّهما لا يُشكّلان إلاّ واحداً. الموضوع هو الأمانة واحترام الحياة. إحترام الحياة، هو ، أوّلاً، العيش في أمانة الله، مطيعاً لجميع وصاياه الّتي هي الحياة بالنّسبة للإنسان : أحبّ الرّبّ إلهكَ بكلّ قلبكَ، وكلّ قدرتكَ، وكلّ ذهنكَ وأحبّ قريبكَ كنفسكَ. ولكن، في المنظور المسيحي، ليست المحبّة شعوراً، فهذا الأخير هو اساسيّاً زائلاً، بل موقف روح دائم يوجّه العلاقة للآخر. إنّ المحبّة هي علاقة تتطوّر، مشروع للبناء. هو مشروع يتحقّق في التّاريخ أكثر من علاقة مرتبطة للأبد. ويجد مصدره في محبّة أكبر من نفسها : محبّة الله الثّالوث. لأنّ الله محبّة (١ يو٤ ٨)، وهذه المحبّة هي فقيرة، متواضعة، دون قدرة، ضعيفة لأنّها نزيهة. لقد أخذ صورة الوجه الإنساني من خلال شخصيّة المسيح الّذي، بقبوله أن يظهر ضعيفاً، دون اجتياح فسحة كلّ شخصٍ، قد جاء يفني في الوضع
البشريّ لكي يظهر للبشر. تعني محبّة الله الثّالوث أيضاً : أريدُكَ أن تعيش. القول بأنّ الله يثحبّ جميع البشر، هو القول أيضاً أنّه يبغي أن يعيش جميع البشر الحياة بكلّ معانيها، وليس فقط أن يظلّوا بين بعضهم دون نزاعات بتطبيقهم عبرة الوفاق الصّالح. بمعنى آخر، هذا يعني أنّنا لا يُمكننا قبول كلّ شيء باسم هذه المحبّة، خصوصاً إذا يُجازف هكذا موقف أو ذلك بخطر على الحياة. لا يبدأ الإحسان إلاّ عندما نرتبط بعلاقة مع الله؛ عندها تصل إلى مستوى عالميّ يؤدّي خاضعه لمحبّة أمثاله، في معنى إرادة الخير لهم، أن يكون مسؤولاً، حسّاساً كتوماً ومحترماً تجاههم. ليست لهذه المحبّة أيّ دافع إلاّ أن يكون خالقاً، بما أنّ المحبّة لا تتضمّن عن التّخلّي أو عن موت رغباته بل بتسجيلها في معنى أكثر كليّ. وهكذا تدعو المحبّة المسيحيّة يالتّخلي عن تملّك الآخر، وإذاً لوت هذا الأخير في نفسه، لكي يُحرّر ضغط الحياة الّذي يسمح بخلق روابط، تكون بدورها مصادر فرح، سعادة وهناء * Tony Anatrella( CJ)L’Eglise et l’amour, Champs Flammarion, 2000,p 86 et suivantesمن إنّ الأسطر الأخيرة مستخرجة . ورها مصادر فرح، سعادة وهناء.ي عن تملّك الآخر، وإذاً لوت هذا الأخير في نفسه، لكي يُحرّر ضغط الحياة الّذي يسمح بخلق روابط، تكون
في هذا المضمون، نعي جيّداً أنّ في قلب العائلة، وحدة الأفراد، يجب أن تُخصّص عناية خاصّة جدّاً لإستقبال حياة الطّفل الّذي يهبه الله. على هذه العناية أن تسمح بتطوّر تقدير عميق لكرامة الطّفل، وأيضاً احتراماً كبيراً لحقوقه الّتي يجب تأديتها بكرم. وهذا يُطبّق على جميع الأولاد، ولكن بأهميّة كبرى عندما يكون الطّفل حديث السّنّ، أو مريضاً، متألّماً أومعاقاً. نحن مدعوّون جميعاً في الكنيسة لإطلاع والإقتراح من جديد في التّاريخ مثال السّيّد المسيح ووصيّته الّذي أراد وضع الطّفل في وسط ملكوت الله : دعوا الصّبيان ولا تمنعوهم أن يأتوا إليّ لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت السّماوات(متى١٩ ١٤، مر١٠ ١٤، لو١٨ ١٦). * Familiaris consortio, § 26 البابا يوحنّا بولس الثّاني، رسالة بابويّة
علامة عالم مجدّد سابقاً في المسيح
في عالمٍ حيث حكم القويّ على الضّعيف هو دائماً الأفضل...
في عالمٍ يُنمّي تصرّفات منقصة أو مستعبدة للإنسان، تصرّفات لا نتساءل عنها بل فقط تصديقها... في عالمٍ يرفض الحياة للآخر، خصوصاً في الأوقات الأكثر صعوبة من وجوده، إنكار للحياة المستبدّة بقواعد إجتماعيّة والّتي مطلوب من المواطن الإلتزام بها...
...سيعيش إخوة وأخوات لبقدّيس فرنسيس العلمانيّين، في عائلاتهم، روح السّلام الفرنسيسي، الأمانة واحترام الحياة، باحثين لفعل من هنا، علامة عالم مجدّد سالقاُ بالمسيح. مجدّد، يعني غيّر، مع مفهوم مرافق للنّهضة بعد شيء مخلوع. وهكذا، في عالمٍ لا يُحبّ، أو يُحبّ قليلاً، أو لا يعرف المحبّة، ممّا يُترجم ضروريّاً بموت الآخر أو قسماً منه، الكون علامة عالم مجدّد سابقاً في المسيح، فماذا يعني ذلك ؟ إلاّ العيش حسب كلمة المسيح نفسه. كلمة المحبّة وكلمة الحياة :
السّلام أستودعكم ؛ سلامي أُعطيكم ؛ لستُ كما يُعطي العالم أثعطيكم أنا( يو١٤ ٢٧)...
ولكن في بدء الخليقة ذكراً وأنثى خلقهم الله. لذلك يترك الرّجل أباه وأمّه ويلزم امرأته. فيصيران كلاهما جسداً واحداً فلسا هما إثنين بعد ولكنّهما جسد واحد. وما يجمعه الله لا يُفرّقه انسان (مر١٠ ٦-٩)...
دعوا الصّبيان يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأنّ لمثل هؤلاء ملكوت السّماوات( متى١٩ ١٤،مر١٠ ١٤، لو١٨ ١٦)...
الزّواج، مغامرة جميلة
ليس الزّواج، كالأسرار الأخرى، عصا سحريّة الّتي عندما نحصل عليه، يسمح بالفعل وبالإستمرار دون جهد. إنّ النّتائج الإحصائيّة للتّحقيق المذكورة في الأعلى هي الشّهادة الواضحة. وأيضاً، وقبل التّحدّث عن نعم الزّواج، ليُسمح لنا باستعمال استعارة، مخصّصة في الوقت نفسه للمتزوّجين ولكن أيضاً للخطّاب، في التّمييز الّذي عليهم فعله قبل الإرتباط. هذه الإستعارة هي كسفينة شراعيّة كبيرة. تتألّف هذه الأخيرة أوّلاً بهيكلٍ. وهو الأثقل من بين جميع عناصرالسّفينة التّكوينيّة. يرمز هذا الهيكل الجسد، مع نزواته، سهواته و...حدوده. في السّفينة، لا يكفي الهيكل وحده، وكذلك في الحياة، لا يكفي المظهر الخارجي وحده. إذا وضعنا هيكل سفينة، الأكبر بينه من خلال مقاييسه، في وسط المحيط، بإمكاننا أن نكون واثقين أنّ عاجلاً أم آجلاً، سيتحطّم هذا الهيكل على الصّخور. وكذلك الأمر بالنّسبة للعلاقة الزّوجيّة. إذا كان المظهر الخارجي هو جزء مهمّ في العلاقة الزّوجيّة، فهو لا يكفي وحده للعيش، بمعنى الكلمة. إذاً يجب شيئاً آخراً، زيادةً، يسمح لهذه السّفينة بالتّقدّم. هذا الشّيء، هي الأشرعة. ترمز هذه الأخيرة للمحبّة.
لقد جابهت الكنيسة، منذ أساسها، نماذج عدّة من الأعراس تستبعد شعور المحبّة في العلاقة الزّوجيّة. مع ذلك، إنّ المحبّة الّتي يحسّ بها الزّوجين الواحد للآخر ليست أقلّ أهميّة من الأشرعة لجعل السّفينة تتقدّم. ولكن، برغم وجود الأشرعة، يُمكن لأجمل السّفينة أن تتحطّم أيضاً على الصّخور، لأنّ إذا سمحت الأشرعة بتقدّم السّفينة، فهي تبقى غير كافية لتوجيه السّفينة. يجب إذاً عنصراً ثالثاً، أصغر بينها، يسمح للسّفينة بالذّهاب حيث تريد. هذا العنصر هو السّكّان، الّذي يرمز على الإرادة. ولكن إرادة ماذا ؟
إذن، إرادة العثور على مصدر محبّتنا في هذه المحبّة الّتي هي أكبر من نفسها الّتي هي ◄ محبّة الله الثّالوث ؛
إرادة توجيه العلاقة للآخر في روح يريد الأستمرار؛ ◄ إرادة البناء، يوماً بعد يومٍ، المحبّة الّتي تُحي الآخر وتُنمّيه. ◄ تحتضن هذه التّربية كامل الحياة الزّوجيّة. يندمج همّ العطاء ونقل هذه الحياة في كامل مهمّة الحياة المسيحيّة، الّتي، بدون الصّليب، لا يُمكنها بلوغ القيامة. في هذا المضمون، نعي أنّه ليس من المستحيل إلغاء التّضحية في حياة العائلة، بل على العكس يجب قبولها بطيبة خاطر( إنّه ضرورة وجوج السّكّان) لكي تتعمّق المحبّة الزّوجيّة، يوماً بعد يومٍ وتُصبحَ مصدر فرح حميم.
ِنعَم الزّواجِ
نجد في احتفال سرّ الزّواج نفسه، السّرد لأهمّ نِعَم الزّواج المسيحي المتعدّدة. يتوجّه المحتفل للخاطبين بهذه الكلمات :
لقد سمعتم كلمة الله الّذي كشف للبشر معنى المحبّة والزّواج. أجل ! إنّها كلمة الله الّتي تكشف أنّ الله هو محبّة، بأنّه مصدر كلّ محبّة وأنّ سبب كوننا، أيّ التّوجيه في كلّ حياتنا، هو أن نُحب. يُعطي سر الزّواج للزّوجين إمكانيّة عيش علاقة محبّة مع الله. من خلال السّرّ، يُعطينا الله الرّوح القدس، قوّة المحبّة، الّذي سيُقدّس محبّة الزّوجين الواحد للآخر. وبوفرة يؤكّدان الزّوجين وحدتهما في نفس محبّة الله، وأكثر ينالان نِعَمَ هذا السّرّ. ثمّ يتابع المحتفل ويُجيب الخاطبين...
سترتبطان الواحد تجاه الآخر. هل بحريّة ودون إرغام ؟ ليس السّؤال المطروح على الخاطبين بمؤذي. يتطلّب سرّ الزّواج، لكي يُصبحَ سليماً ويحمل ثماره، حريّةً دون ضغط من الخاطبين في ارتباطهما : أجل، يُجيبان. منذ أساسها، تطلب الكنيسة أن يكون الزّواج زولج محبّة. إذا اعتبر أحد الخاطبين أنّه قد أُرغِمَ على المجيء إلى" نهاية رُواق الكنيسة"، يُمكنه (عليه) الإجابة بلا على السّؤال المطروح من قبل المحتفل. وسيأسف الحاضرون لهذا الإحتفال بهذا الّلا الّذي أتى بطربقة متأخّرة. مع ذلك فهذا جيّد ! ليس الزّواج بإجراء بسيط إداري، أو أيضاً عقد مدنيّ يُمكن إلغائه. هو سرّ يوحّد رجلاً وامراة، لمدى الحياة وبطريقة لا إنحلاليّة. لذلك يجب أن يكون الإرتباط دون لطخة. ثمّ يتابع المحتفل ويُجيب الخاطبين...
ستتعاهدان على الإخلاص.هل لمدى الحياة ؟ في الوقت المحدّد حيث يتّصل الخاطبين بموافقة معبّرة بطريقة حسّاسة، يحصلان على زيادة من النِّعَم المقدّسة، أيّ هذه الهبة الّتي يُعطيها الله بنفسه بمجيئه لكي يسكن في روحهما. يُعطي سرّ الزّواج أيضاً نِعَماَ فعليّة، أيّ هذه الهبة الفوطبيعيّة العابرة الّتي يُعطيها الله لمساعدة فعل الخير وتجنّب الشّرّ. تنبع هذه النِّعَم في الوقت المناسب لترسيخ المحبّة الزّوجيّة ومساعدة الزّوجين للبقاء مخلصين الواحد تجاه الآخر. ثمّ يتابع المحتفل ويُجيب الخاطبين...
في البيت الّذي ستؤسّسانه، هل تقبلان مسؤوليّتي الزوج والأهل ؟ إنّ أولى نِعَم الزّواج الظاهرة، هي الكون زوجاً للآخر. من خلال موافقة الخاطبين، تأخذ الفضائل الّلاهوتيّة والأخلاقيّة عنفواناً جديداً. يتحسّن الإحسان خصوصاً، يُصبح الصّبر أكثر متانةً، والتّقوّى أكثر عمقاً. وستُترجم هذه النِّعَم واقعيّاً من خلال مساعدة الزّوجين المتبادلة الواحد تجاه الآخر. ولكن هناك نعمة أخرى للزّواج : الخصوبة. إنّ الخصوبة الأولى الّتي نُفكّر بها هي، طبعاً فرحة استقبال جميع الأولاد الّذين يُمكن لله منحهم للزّوجين. تتطلّب نعمة الخصوبة نعمة أخرى : وهي تحمّل مسؤوليّة(بالمعنى الإيجابي) تربية الولد. تربية، كم هي جميلة هذه الكلمة ! لأنّ إذا روّضنا حيواناً، الطّفل، بالنّسبة له، هو مربّى من قبل أهله. تربيته في حياته البشريّة، ممّا يؤدّيه بالتّالي لتحمّل وجوده الخاص بدوره عندما يُصبح راشداً ؛ تربيته في حياته الرّوحيّة لكي يعي توجيه روحه وفعله نحو أبينا السّماويّ.
تبادل الرّضاءات : سنلاحظ في المقطع الكلمات المستعملة. إذا قد وجدنا" الأنا" و"الأنتِ "(كما يُمكننا أن نتوقّع شرعيّاً) سنجد أيضاً كلمات تُعطي عقليّة على ما هي الحياة الزّوجيّة، الموجّهة كلّها نحو استقبال الآخر واعطاء النّفس : ... أتلقّاك كزوجة وأنذر نفسي إليكِ لكي أحبّكِ بإخلاص طيلة حياتنا.
وهكذا يتلقّى الزّوج الآخر، ولكنه لا يحصل عليه ؛ ينذر الزّوج للآخر، ممّا لا يعني أن تكون مناسبة لكي يُطالب بحقّه. يُختم سرّ الزّواج بمباركة الخواتم وتبادلها...
ليست خواتم الزّواج "بخواتم عاديّة"، تُعرقل حريّة الّذين قد ارتبطوا بها. إنّ خواتم الزّواج هي العلامة الظّاهرة، مع أنّها صامتة، ومعطاة أمام نظر الجميع، لإرادة الزّوجين بحفظ دائماً أمانةً كاملةً، تماماً كما المسيح وزوجته، الكنيسة، الّذين هما مخلصين الواحد للآخر.
مظهرون في العالم محبّة المسيح لكنيسته
لقد عبّر الأنبياء بعفويّة في العهد القديم عن علاقات الله مع خليقته في ظلّ الوحدة الزّوجيّة وأحياناً، للأسف، بالإنفصال الزّوجي. فطريّاً، كانوا يلجأون على ما هو الأقوى في ترتيب الطّبيعة، وحدة الزّوجين، إثنين في جسد واحد، لإظهار على ما هو الأقوى في ترتيب النِّعَم : الوحدة لله من خلال وحدة الفكر، الإرادة والمحبّة.
نجد في ظروفٍ معيّنة، عند تقلّبنا لصفحة المجمل التّيولوجي للقدّيس توماس من أكّين، مقطع تحليل، غالباً سريعاً،أحياناً مفاجئاً ودائماً مدهشاً. إنّ الّذي يلي الآن، وليس الأقّل، يهمّنا بشكلٍ خاص : يقول القدّيس توماس، هناك أربع أسرار كبيرة : العمادة، بسبب أفعالها؛ التّثبيت بسبب صلاحيّته ؛ الإفخارستيّا، بسبب محتواها ؛ أخيراُ الزّواج، بسبب ما يعنيه، على ما هو يرمز * Somme Théologique, IIIa pars qu.65 art.5 ad 4, qu.67art.2 ad 3. . ومن هذا الحدث، عندما يتحدّث القدّيس بولس عن الزّواج المسيحي، يُعلّم بأنّ على الزّوج أن يُحبّ امراته ويُعاملها بقدر جسده الخاص. ويجد المثال في محبّة المسيح لجسده الّذي هو الكنيسة : إنّ لهذا لسرّ عظيم ؛ أقول هذا بالنّسبة للمسيح والكنيسة( أف٥ ٣٢). وينتج هذا التّناقض أن السّر الّذي يبدو الأكثر ارتباطاً في الواقعيّة الجسديّة، بماّ أنّ لديه مع ذلك من حيث المادّة والشّكل مهمّة الطّبيعة بنفسها، المحبّة البشريّة في جميع مقاييسها بما في ذلك المقياس الجسدي، فهذا السّرّ هو أيضاً الأكثر غموضاً، والأكثر ثقلاً بالمعنى الرّوحي * ومنهم من خصوا أنفسهم من أجل ملكوت السّماوات (متى١٩ ١٣) ويعيشون "في الصّميم" الواقع الفوطبيعيّ في المسيح وفي الكنيسة: الواقع الحقيقي،هو المرئي. .
وهكذا، أتكون المحبّة البشريّة، محبّة الرّجل لإمرأته، الظّاهرة الأكثر مرئيّةً في عالم محبّة المسيح لكنيسته. ويدعو البند١٧ إخوة وأخوات القدّيس فرنسيس العلمانيّن المتزوّجين لإظهار هذا الواقع لأعين العالم بعيشهم نِعَم الزّواج في حياتهم الزّوجيّة. يا لها من مهمّة ! ويا له من سبب فوطبيعيّ للإستماع لجميع وعظات فرنسيس البسيطة والطّبيعيّة للعائلة وإتّباعها !
تربية مسيحيّة، بسيطة ومنفتحة
تربية مسيحيّة، هذا يعني أنّ على الأهل مهمّة تربية أولادهم مسيحيّاً. لن يستطيع أحد، ولا براعي الأرواح الموهوب، نقل الإيمان للولد لكلّ بساطة وعمق كما الأهل أنفسهم. إنّ العائلة هي أوّل المكان وأساسه الّذي يُنقَلُ الإيمان من خلاله. لعدم التّكرارن لنُذكّر ما قاله القدّيس الخوري من آرس : "على الآباء والأمّهات الوعي جيّداً أنّ أهمّ مهَمّتهم هي العمل لإنقاذ أرواح أولادهم وأنّ ليس لديهم أيّ عمل يتخطّى قبلآً هذا الأخير؛ بل أكثر من هذا، إنّ خلاصهم مرتبط بخلاص أولادهم" .
لكي لا نعتبر أنّ بعدم متابعتهم لدراسات تيولوجيّة، على الأهل الإنسحاب من مهمّتهم التربويّة والإنجيليّة قرب أولادهم. إنّ العائلة هي كنيسة منزليّة. هي تتضاعف كمدرسة في خدمة الله، كما يقول القدّيس بنوا، كدير صغير عائليّ، حيث تشتهد العائلة بأسرها، أهلاً وأولاداً بدراسة أشياء من الله والتّعمّق بها، على ممارسة الصّلاة الجماعيّة، على المشاركة النّاشطة والواعية لحياة الكنيسة الّليتورجيّة. ما هو أسهل من الصّلاة معاً كلّ يوم ؟ ما هو أسهل من بناء مغارة ميلاد في البيت بداية المقدّمات ؟ والتّحدّث، طيلة الأسابيع الّتي تسبق الميلاد، عن مجيء المسيح على الأرض ؟ هذه هي طرق بسيطة جدّاً لتربية أولادنا في الإيمان. أو، إذا أردنا الإحتفال بالعيد الوطني بفتحنا لزجاجة جيّدة، فهذا حسن والله لا يمنع ذلك ؛ ولكن إذا فعلنا ذلك يوم الأحد بعد أن سمعنا إنجيل عرس قانا مثلاً، وأن نفسّر للأولاد على ما يساوي هذا الزّائد * بخصوص هذا الموضوع، وإذا أثار المثال الإهتمام لأشخاصٍ، يُمكنهم إعادة القراءة مجدّداً وبمنفعةٍ ال§ الموجود في الفصل السّابع من كتاب التّكوين هذا ومعنون" الماء المحوّلة لنبيذ: بناء عالم أخويّ وإنجيلي". ، فهو حتماً أفضل !
تُعرّف كلمة مفتوح" كشيء دون حاجز طبيعي أو اصطناعي ".ولكن ماذا تعني تربية مسيحيّة منفتحة ؟ إنّ الملاحظة الّتي يُعيدنا بها البند ١٧من قانونا يستند على مرسوم حول تبشير العلمانيّن، الّذي يُعطينا طرقاً مرسومةً للأجوبة. فيُحدّد هذا الأخير أنّه من الضّروري بتكوين الأولاد بطريقة، بتخطّيها المحيط العائلي، يفتحون ذهونهم لحياة الجمعات، الكهنوتيّة كما الزمنيّة. فلن يكون الموضوع "باحتجاز" الولد في العشّ العائلي ؛ فيوماً ما سيطير الطّيير بأجنحته الخاصّة، ملاقياً بذلك بقيّة العالم، وكلّ ما يترتّب عليه. بفعله هذا، يكتشف الولد نفسه ويكتشف دائماً أكثر خالفه وما الّذي ينتظره الله منه. ويتابع المرسوم في هذا الموضوع : عند طعننا بالسّنّ، ينفتح الذّهن زيادةً، وكلّ فردٍ إذاً هو قادر أكثر باكتشاف المواهب الّتي وُزّعت عليه من قبل الله، ويُمكنه الممارسة بفعاليّة أكثر الهبات الّلدُنية الّتي وهبها له الرّوح القدس من
أجل خير إخوته. في هذه التّطبيقات الواقعيّة، ستتضمّن التّربية المسيحية المنفتحة أيضاً بجعل إحساس الولد أنّ الله يُحبّ جميع البشر ويدعونا لفعل نفس الشّيء(. ويُترجم هذا أيضاً، مثلاً، على عدم اعتبار أي سؤال يطرحه الولد كأنّه لا يستحقّ جواباً( لا يوجد سؤالاً محرّماً).
حريصون لدعوة كلّ فرد
يُغطّي هذا التّحديد من قانوننا، حريصون لدعوة كلّ فرد، وجهان إثنان من تربية الأولاد، الّلذان يكمّلان الواحد والآخر، دون التّعاكس. أوّلاً، إنّ لكلّ ولد دعوته (الدّعوة إلى الزّواج، إلى الحياة الدّينيّ، الكهنوتيّة،...). إذاً ليس على الأهل الحصول على الدّعوة مكان أولادهم. رغم ذلك، وهذا هو الوجه الثّاني، لايُمكن للأهل الإعتبار أنّ دعوة ولدهم لا تخصّهم، وأنّ هذا ليس بهمّهم ! عليهم أن يكونوا حريصين، أيّ الإهتمام بكلّ ولد، التّحاور معه لمساعدته للتّمييز بين الخير والشّرّ. يُشير القدّيس فرنسيس بشكل تامّ، في رسالة كتبها للأخ ليون إجابةً على سؤال من هذا الأخير، الّذي تمنّى أخيراً أن "يُقرّر "فرنسيس مكانه، هذا الوجه المزدوج الّذي يعود للأهل. سنلاحظ في المقطع أنّ فرنسيس، للمناسبة، يتقارن للأمّ تتحدّث مع ولدها، ممّا يُناسب تماماً موضوعنا : إلى الأخ ليون، تحيّة وسلام من أخيكَ فرنسيس. أقول لكَ ذلكَ يا بنيّ، مثل أمّ، لأنّ جميع الأقوال الّتي تبادلناها في الطّريق (وبإمكاننا ترجمته بالتّالي : كلّ ما بذلناه من عناية، أبيك َوأنا، طيلة جميع هذه السّنوات الّتي ساهمنا بها على نموّكَ) أرتّبها وأنصحكَ بها باختصار... : أيّة وسيلة وجدّتها هي المُثلى لإرضاء الرّبّ الإله، ولإقتفاء آثاره، وفقره، فاتّبعها ببركة الرّبّ الإله، وبإذني. وهكذا تركَ فرنسيس لليون الحريّة الكاملة في خياره، كما على الأهل ترك الحريّة الكاملة لأولادهم لإختيار دعوتهم. ولكن لا تعني ترك الحريّة الكاملة للخيار عدم إظهار أيّ اهتمام للولد. ينشغل فرنسيس بالتّوجيه العام للإختيار، الإختيار الّذي لا يُمكننا الإفراط به : إرضاء الرّبّ الإله واقتفاء آثار فقره. إنّ لمثل هذا الإهتمام على الأهل إظهاره تجاه أولادهم. ويختم فرنسيس، كما لطمأنة أخيه ليون كليّاً بأنّه لن يتخلّى عنه بل على العكس هو حريص عليه : وإن كان من الضّرورة لنفسكَ، أو لتعزيةٍ أخرى، وإن أنتَ شئتَ أن تأتي إليّ، فتعالَ.
سيتبعون بفرحٍ مع أولادهم دربهم الإنساني والرّوحي
ليس الطّفل بعبء ! هو هبة من الله ويا له من هبة ! إنّها الحياة الممنوحة من الله، إنّها الخليقة الّتي تتتابع واهبةً للأهل نعمة المشاركة للخليقة الإلهيّة. باستطاعة الأهل الغناء مع مريم :
" تُعظّم نفسي الرّبّ واسمه قدّوس". إذاً لا حزنُ في نشيد مريم الّذي يدعونا إليه قانوننا للإتّحاد به. فضلاً عن ذلك، إنّ الفرح هو إحدى الهبات الّلدنيّة الفرنسيسيّة. ذات يومٍ لاحظ فرنسيس أنّ أحد رفاقه كان حزيناً ومهموماً ؛ فحدّثه بجفاء بعض الشّيء : على خادم الله أن لا يظهر أبداً أمام الآخرين حزيناً وعابساً، بل بالعكس، دائماً محبّاً. إذهب إلى غرفتكَ لكي تُفكّر بخطاياكَ ؛ إبكِ وتحسّر أمام الله ؛ ولكن عند عودتكَ بين إخوتكَ، دع حزنكَ وكن مثل الآخرين(٢ش١٢٨).
يُقدّر فرنسيس كثيراً الإنسان المليء بالفرح الرّوحي لدرجة أنّه أدخل هذه النّصيحة في قانونه في إحدى الفصول : ليحذر الإخوة من أن يظهروا خارجيّاً، حزانى أو معبّسين كالمرائين، بل فليبدوا فرحين في الرّبّ، مبتهجين، وحسني المعشر، كما يليق(١ق٧ ١٦). ولكن هل العيش في الفرح له تأثيراً لإخفاء جميع الصّعوبات ؟ يُعبّر مثل قديم بدقّة كثيرة، ولكن بموافقة كبيرة، جميع الصّعوبات الّتي يواجهها الأهل لمعرفة أولادهم :" أولاداُ صغاراً، هموماً صغيرة ؛ أولاداً كباراً، هموماً كبيرة". ويبدو أنّ لا أحد معفىً من هذه الإنشغالات الباليّة الأهليّة. لنُراقب همّ مريم ويوسف الّلذان يبحثان دون جدوى مدّة ثلاث أيّام عن" صغيرهم يسوع الفار" : يا ابني لمَ صنعتَ بنا هكذا ها إنّنا أنا وأباكَ كنّا نطلبُكَ متوجّعين(لو٢ ٤٨). يا له من ولد يسوع الصّغير هذا ! وهذا لن يتوقّف بما أنّ لاحقاً، سيأتي سيفاً يخترق قلب أمّه نفسه... ومع هذا، وحتّى في المصاعب، ينقل لنا الإنجيل ثقة مريم : وكانت أمّه تحفظ ذلك الكلام كلّه في قلبها(لو٢ ٥١). مع مريم، ليس الفرح أبداً فرحاً غزيراً وراعداً.
إنّه فرح داخلي يسكن كلّ كائنٍ : تُعظّم نفسي الرّبّ، وتبتهج روحي بالله مخلّصي(لو١ ٤٦-٤٧). لكن فرحين في الرّبّ، مبتهجين، وحسني المعشر، كما يليقول : ليحذر الإخوة من أن يظهروا خارجيّاً، حزانى أو معبّسين كالمرائين، بل فليب
ولكن ما على الأهل الإتباع بفرح مع أولادهم ؟ الخطّ، أيّ المسير في تطوّر دائم. ولكن أوّلاً الخطّ الإنساني، ثمّ الخطّ الرّوحي. وهكذا، كأهلٍ، لا يُمكننا أخذ الإعتبار أنّ فقط الجناح الرّوحيّ في خط أولادنا ، رغم أنّ هذا الأخير هو، "في آخر المطاف"، الأهم. سيكون هذا نقصاً في التّوازن. ولعدم" نسيان "متواصل الخطّ الإنساني، لنلاحظ كم يذكر قانوننا في تعداده، كأنّه يدلّنا على ما يجب البدء به أوّلاً، وفي نفس الوقت أنّه لا يجب الإنجازمن هنا... لنتبع بذلك مثال خالقنا. لقد أدرك كيفيّة إحاطة تجسّد ابنه بوهبه أهلين بشريّن، الّلذان أطعماه، ألبساه، علّماه المشي... .و بسرعة، كما ليُذكّر الأهل أنّه لا يوجد إلاّ البشريّ، يُعطينا الله الآب هذه الجملة من خلال فم ولده الصّغير : ألم تعلما أنّه ينبغي لي أن أكون فيما هو لأبي(لو٢ ٤٩).
أخيراً، ماذا يعني في جملة سيتبعون بفرح مع أولادهم الخطّ الإنساني والرّوحي، إستعمال المفرد الخطّ مسبّقاٌ بالجمع أولادهم ؟ في الحقيقة عدّة أشياء. الأولى بينها الّتي تفرض نفسها، هو أنّ كلّ ولد هو مميّز. وهكذا، إذا عشنا بفرح في العائلة مع جميع أولادنا، علينا أن نهتمّ بكلّ ولد وبشخصيّته. ولكن تعرف هذه الجملة من قانوننا معنى آخراً يُضاف على ما قد قيلَ : إنّ الأهل مدعوّون لأتباع بفرح خطّهم الخاصّ الإنساني والرّوحي، وذلك مع أولادهم. وعندها، مع أمّ يسوع، بإمكانهم النّشيد :" منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال"...
أسئلة
أسئلة فحص المعارف
١) إنّ واجب الرّجل والمرأة أن يكونا دائماً أفضل ممّا هما عليما. ولكن من هما الآن ؟ وفضلاً عن ذلك ما هي العائلة ؟
٢) هل بإمكاني الإجابة مجدّداً على أسئلة فرنسيس التّالية :
ما العمل في عائلة حتّى يكون" كلّ شيء على ما ♦
ما العمل في عائلة عندما يكون" كلّ شيء"سيّء ؟ ♦
كيف، في عائلة، مساعدة زوجه أو زوجته، أخاه، أخته، ولده، ♦
أباه أو أمّه عند الحاجة ؟
ما هي الوسائل للتّهيء لعيش، ولعيشه دون فارق، الوصيّة الإلهيّة ♦
: لا تزنِ ؟
ما الّذي يطرد الرّذائل ؟ ♦
٣) يُعلّمنا القدّيس الكاهن من آرس، الثّلاثي من القدّيس فرنسيس نفسه،على ما يجب أن يكون الإنشغال الأكبر للآباء والأمّهات. هل بإمكاني القول مجدّداً ما هو هذا الإنشغال الكبير ؟
أسئلة تعمّق
١) تقترح الّليترجيّا المزمور١٢٧بين القراءتين الإثنتين عند سرّ الزّواج. هل باستطاعتي البحث لإستخراج المعنى الرّوحي المجازي، المعنى الرّوحي الأخلاقي والمعنى الرّوحي الباطني( المراجعة عند الضّرورة تعريفات هذه المعاني الثّلاث في بداية الفصل السّابع) ؟ متزّوج، أهل، ولد، أعزب، كاهن أو ديني، ما هو الصّدى الّذي يُمكن لكلمة الله هذه أن تكون في حياتي ؟
٢) بعد نتيجة هذا الّتحليل القصير من البند١١ من قانون فرنسيس الأوّل، وعند قراءة هذا الأخير، هل بإمكاني جمع جهودي لكي أستعملها بدءً من اليوم، بنعمة الله، تجاه قريني (قرينتي)، أولادي، وأهلي ؟
٣) مستفيد بتتابع إنساني أو بتتابع روحيّ، ما هي الوسيلة الواقعيّة الّتي سأطبّقها "لأولادي" للعمل بها لخلاص أرواحهم ؟